أسماء الحسيني، شوقي عبد العظيم (الخرطوم، القاهرة)

قتل 6 من المحتجين وضابط في الجيش، وأصيب العشرات، عندما تعرض المعتصمون منذ ما يقارب الشهر إلى وابل من الرصاص الحي عند مدخل طرفي إلى ساحة الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم.
وجاء ذلك، بعد ساعات من الإعلان عن تقدم في المفاوضات الجارية بين المجلس العسكري السوداني وقوى الحرية والتغيير المعبرة عن الحراك الشعبي حول هياكل الفترة الانتقالية.
وقال الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري السوداني، إن جهات وصفها بـ«المندسة» تحاول إجهاض الاتفاق الذي تم التوصل إليه أمس الأول مع قوى الحرية والتغيير، وأضاف: إن هذه الجهات لم يعجبها ما تم.
وكشف البرهان في أول تصريحات له بعد الأحداث الدامية عقب مشاركته في صلاة الجنازة بوزارة الدفاع على روح الضابط الذي قتل في أحداث الليلة قبل الماضية: إن تلك الجهات تسعى لإرجاع الناس إلى ما قبل 11 أبريل (يوم إطاحة الرئيس المعزول عمر البشير)، وأكد أن «هذا لن يتم»، وتعهد بالقبض على الجناة ومحاسبتهم.
وأضاف: إن الثورة السودانية بدأت سلمية وستستمر سلمية، مؤكداً التزام الجيش بحماية المعتصمين، وحذر البرهان من دعاة التصعيد من كل الأطراف.
بدوره، كشف اللواء محمد الأمين قائد القوة في مكان الاعتصام أن القوة تعرضت إلى اعتداء من قناصة من أعلى كوبري بحري.
وكان المجلس العسكري قد اتهم في بيان الناطق الرسمي باسمه «مجموعات مسلحة غير سعيدة بالتقدم في سبيل التوصل إلى اتفاق نهائي بين المجلس وقوى الحرية والتغيير بإطلاق النار في مواقع الاحتجاجات والتحريض على العنف». وأضاف أن هذه المجموعات دخلت إلى منطقة الاعتصام لتصعيد الأحداث، بإطلاق النيران والتحرش والاحتكاك بالمواطنين والقوات النظامية التي تقوم بواجب التأمين والحماية للمعتصمين.
ومن جانبها، أكدت قوات الدعم السريع انحيازها للشعب، وقالت في بيان إن: «الأحداث المؤسفة الأخيرة تقف خلفها جهات ومجموعات تتربص بالثورة، بعد أن أزعجتها نتائج الاتفاق الأخير، وهي تعمل جاهدة من أجل إجهاض أي تقدم في التفاوض من شأنه أن يخرج السودان من الأزمة».
وأوضحت: إن هذه المجموعات تسللت إلى ساحة الاعتصام وعدد من المواقع الأخرى، وأطلقت النيران على المعتصمين، كما قامت بالتحرش بالمواطنين والقوات النظامية، وأكدت أنها لن تنساق لدعوات المجموعات الداعية للإيقاع بين قوات الدعم السريع والمعتصمين، وأنها لن تفض الاعتصام بالقوة.
من جانبها، قالت قوى الحرية والتغيير في بيان إنه في الوقت الذي تتقدم فيه قوى الثورة نحو الانتقال إلى سلطة مدنية انتقالية تضطلع بتحقيق أهدافها الظافرة، تعود بقايا النظام الساقط إلى محاولاتهم الأخيرة لفض الاعتصامات التي تمثل صمام أمان للثورة، وذلك عبر عناصرهم في جهاز أمن النظام وميليشياته وكتائب ظله، مستخدمين أسلحتهم الغادرة.
ودعت السودانيين إلى الخروج في مواكب سلمية، لحماية مكتسبات الثورة.
وأكد شهود عيان لـ«الاتحاد» أن الحادث وقع عند السابعة والنصف مساء، أي بعد الإفطار بساعة واحدة، عندما عبرت ثلاث سيارات دفع رباعي «تاتشر» تحمل جنوداً مسلحين، بدأوا فوراً بإطلاق الرصاص مباشرة على الشباب المتجمعين جوار أحد المتاريس على شارع النيل، وتدافع عدد من المعتصمين نحو أصوات الرصاص، ونجم عن ذلك سقوط قتلى ومصابين.
وأعلنت لجنة الأطباء المركزية -تتبع لقوى التغيير- رسمياً مقتل ستة من المحتجين ورائد في الجيش وإصابة أكثر من سبعين أسعفوا جميعاً للمشافي.
ورداً على السؤال الأهم الذي يشغل الساحة السياسية.. من الفاعل؟، أشار خبراء تحدثوا لـ«الاتحاد» إلى أن الإسلامويين «الإخوانجية» سعوا عبر حادثة الاثنين إلى نقل البلاد إلى مربع جديد بعد أن أثمرت مفاوضات العسكري والتغيير إلى اتفاق على نقاط جوهرية، وأن ذلك الاتفاق يهدد مصالحهم ولا يستبعد أن يكون ما يسعون إليه هو خلق فوضى تدفع إلى حدوث انقلاب عسكري لفرض معادلة مختلفة.
وقالت مصادر من الدعم السريع لـ«الاتحاد»: عناصر الإسلامويين التابعين للمؤتمر الوطني (حزب البشير) دائماً ما تتوعد الفريق أول محمد حمدان حميدتي قائد الدعم السريع، وتصفه بـ«الخائن» لأنه وقف مع الجماهير ضد البشير وحماها من ميليشيات النظام.
وقال خالد عمر الناطق باسم التغيير لـ«الاتحاد»: الحادث استهدف الاتفاق بيننا والمجلس العسكري وهي مجموعة لا تريد استقراراً، تتبع للنظام القديم.
وكان علي عثمان محمد طه القيادي بالمؤتمر الوطني والحركة الإسلاموية هدد قبل سقوط النظام عبر برنامج تلفزيوني الثوار بأن لدى النظام «كتائب ظل» يمكن أن تقاتل لصالح مشروع الإسلامويين، كما توعد عدداً من قادة المؤتمر الوطني السودانيين بالعنف حال استمروا في الاحتجاج والتظاهر ضد حركتهم.
وكشف محمد حمدان دقلو «حميدتي» قائد الدعم السريع أن الرئيس المخلوع طلب منه فض الاعتصام بالعنف وجوز له قتل ثلث المعتصمين، إلا أنه رفض الانصياع للتعليمات. وأعدم البشير في 1990 وفي ليلة واحدة (28) ضابطاً من الجيش بدعوى بمحاولتهم تقويض نظامه.
وقال عاصم عبدالله الصحفي والناشط السياسي لـ«الاتحاد»: «لا أحد يملك السلاح وسيارات الدفع الرباعي في العاصمة الخرطوم سوى ميليشيات النظام وهم أصحاب المصلحة الحقيقية في الفوضى لذلك نطالب بلجنة تحقيق عاجلة في الحادثة ورصد ومتابعة تحركات الاسلامويين».
وتكمن المفارقة في أن الحركة الإسلاموية والمؤتمر الوطني أصدرا بيانين منفصلين نفيا عبرهما التورط في الحادثة التي خلقت غضباً جديداً ضد الإسلامويين، وبات الناس ينظرون إليهم كأعداء لاستقرار وازدهار السودان.
وتقول صفية بشير، ناشطة ومعتصمة أمام القيادة لـ«الاتحاد»: «الإسلامويون لم يكتفوا بتدمير البلاد وسرقتها خلال ثلاثين سنة، ويسعون اليوم لتدمير مستقبلها وخلق فتنة فيها».